مخشخش من دون خشخاشة!
(محاولة صياغة مقدمة لبيان نصب
خيمة احتجاج أمام غرفة أولادي)
يُجهِز مجد الصغير، الوافد
إلى عالمي/نا في "جمعة الرحيل" قبل شهور سبعة، على مئتي ملل من الحليب
الاصطناعي المحلول، ثم يتجشّأ جشأة تليق بسائق شاحنة كرع للتو نصف ليتر من الجعة الباردة
في فيلم أمريكي آخر. "حمدِلاَّ" التلقائية تعلن انفراج أزمة الجوع
الصارخ، لنتفرغ إلى هواية صغيري الجديدة – وهي محاولة الانتحار!
* * *
تعريف 1: الطفل هو كائن حي
صغير ونامٍ بإطراد، يحاول الانتحار بشتى الوسائل المتاحة، وتستمر هذه المحاولات
حتى بلوغ هذا الكائن سن الوعي لمعنى الخطر (من 3 أعوام إلى 25 عامًا – يتعلق
بمتغيرات بيئية وثقافية عديدة).
تعريف 2: الوالد هو كائن
حي وقع ضحية السيرورة البشرية وإلحاح أمه/حماته والكلام الرومانسي الشائع عن
"السعادة الحقيقية"، وورّط نفسه في مشروع منهك لا نهائي. من وظائف الوالد
منع الطفل عن إزهاق روحه، وذلك من خلال اتباع مختلف طرق الوقاية، وأبرزها: تقمس
دور الحاجز البشري، الصراخ، صك الأسنان وإظهار الغضب، ترديد كلمة
"ممنوع" 20 ألف مرة في الساعة، إغماض العينين وانتظار "البوم..
آخ" (هذه أفشل طريقة)، أو الانتقال للسكن في بيت بدون زوايا حادة ومبني من
مادة مطاطية قابلة للتنظيف...
* * *
بعد "حمدلاّ"
اللا إرادية، يترك صغيري قشطة (زبدة الحليب/ بالعربي "شمينت") غنية
بالفيتامينات والنيوكليوتيدات والألياف الغذائية على بلوزتي الجديدة، فألعن والده (هنا
توبخني أخته "الكبيرة" الصغيرة: عيب نؤول عَص!) وأنزله على الأرض لأتمكن
من تنظيف نفسي مما جنيته عليها. وبينما أنا منشغل في تنظيف مسرح الجريمة بواسطة
المناديل الرطبة المعطرة (من أهم وأجدى اختراعات العصر)، استطاع الزاحف الجاني أن
يقطع الصالون بسرعة 25 خطرا/الثانية وصولا إلى المزهرية الكبيرة المنسية في
الزاوية، وهي مزهرية أثرية يرجع تاريخ صناعتها إلى العام 2 ق.م.ط.أ (قبل ميلاد
طفلتي الأولى). المهم، هكذا بلمح البصر (والأصح بدونه) وصل الصغير إلى المزهرية
ثقيلة الوزن وأوقعها على رأسه اليابس، فانفجر هو بالبكاء جراء الضربة والصدمة
النفسية. لم يكن معي وقتًا لأشرح له بلغتي أو بلغته أن ثمة قانون يدعى الجاذبية اكتُشف
بفعل سقوط تفاحة، والحمد للآلهة أنها لم تكن مزهرية. هرعت إلى الباكي، انتشلته،
تفحصته بسرعة الخبير العارف وتأكدت من أن كل شيء في مكانه، ثم أخفيت معالم الحادثة
وكأن شيئا لم يكن، ذلك أن أم الصارخ على كتفي ستدخل إلى البيت في كل لحظة.
يمّاااا!
* * *
تعريف 3: الأم مدرسة؛ قم
بواجباتك تجاهها، والتزم بالحضور والغياب، تنجح!
* * *
(بعد لحظات)
-
مالُه ببكي؟ وقع؟ خبط راسُه؟
-
لا.. هواي بسيطة، ضرب حالُه بالخشخاشة.
-
خشخاشة؟!! إحنا فش عنا خشخاشة!
* * *
هوامش:
أثناء حدوث الحادثة أعلاه،
كان صديقي من الصفحة العاشرة يرتشف الكفيئين وينفث النيكوتين في مقهى على الرصيف،
وينعم بالفلاس – آه، كم أشتاق للفلاس * كتب النص أعلاه على امتداد مساحة زمنية
ليلية متقطعة جدا، إذا تخلله قيام الكاتب بتلبية نداءات واستغاثات تتراواح بين
"بدي أشرب" و"بديش أنام" و "واع واع" * كخدمة
للمجتمع، يهدف النص إلى الرد على المروّجين لأفكار "السعادة الحقيقية"
و"الأولاد نعمة" و"فش أحلى منهن" (الخ) من خلال تقديم لمحة
بسيطة من واقع معاش نحو إظهار الوجه الآخر والحقيقي للعملة، وممّا فيه: بكاء،
حفاض، حوادث، أمراض، حساسية، حفاض، حضانات، حاضنات، رفض للأكل، حفاض، صراع على
البمبا، تلفزيون عالق على قنوات الأطفال (أنا أكره "آل ماع")، قلنا
حفاض؟!
* * *
غدًا، في السادسة صباحًا، عندما
سيبتسم لي صغيراي، سوف أسحب كل كلامي الفارغ الذي جاء أعلاه!