الأربعاء، ٤ نيسان ٢٠١٢

السحّ الدحّ امبو!


                                 السحّ الدحّ امبو!


عقرب الدقائق ذاهب بكسل شتوي باتجاه الساعة الثالثة بعد انتصاف الليل، وأنا جالس أمام اللابتوب أحاول أن أقاوم النعاس؛ أطرد النوم وهو مطارِد، فهذا وقتي الذي لي أنا وحدي. تمر الدقائق وأنا صافن ودماغي صافٍ لا يقدح شررا. لا شيء، وما تلك الصفحة البيضاء المطروحة أمامي على الشاشة سوا مرآة . ما العمل؟ طبعا الهروب إلى ملهية العصر، إلى اليوتيوب، إلى أهداف ميسي التي أشاهدها للمرة المليون، إلى أغاني منتشلة من قاع الذاكرة؛ ما لي ولعصام رجّي في ساعة كهذه؟ وماذا سأقول لزوجتي إذا استيقظت الآن وضبطتني متلبسا أشاهد أبو الزوز وقد "جنّ جنونه" في عرس آخر؟!

خواء المعدة ينتصر على الخواء الفكري، فأنهض وأمشي الهوينا باتجاه البرّاد. مباشرةً أذهب إلى القسم العلوي قاصدًا تِركة صيفٍ يبدو حلما بعيد المنال من خلف هذا البرد القارس للبدن والميزانية (حساب التدفئة الكهربيّ شلّحنا أواعينا). أتناول علبة الـ"كريميسيمو" (عذرًا على الدعاية) واعدًا روحي قبل جسدي ببوظة مدعّمة بحبيبات شوكولاطة بلجيكية تخبئ في ثناياها قطع من الفستق وجوز البقان، ممممممم. أفتح العلبة، فتصعقني لفافات الملفوف المحشي الجاهز للطهي والقادم من قلق حماتي على نموّ حفيدتها – ما أصعب أن يكون الإنسان عربيا في الساعة الثالثة فجرا. لا أستسلم، حتمًا سأجد شيئًا جديرا بالالتهام في هذا المكان البارد. عبثًا أحاول، فأنسحب من مهمتي الفاشلة وجعبتي خالية اللهم إلا من سؤال أدخلني في لخمة ما بعدها لخمة؛ لماذا تحتوي ثلاجة بيتنا الصغير على ثلاث عشرة طبخة بامية؟! كيف وصلنا إلى هذا الفحش الباموي وملايين البشر محرومة من لقمة بامية تسند معدها؟ ثم أنني أكره البامية من كل بطني! لو كنت كاتبًا إيطاليًا كنت سأقفل هذه الفقرة بعبارة "بابَميّااا" الاندهاشية.. لو كنت!
لكنني لست طليانيًا، وما أنا إلا عربي نعسان يحترف حرق وقت النوم الثمين.



مستسلمًا للنداء الخافت في داخلي ("خلص انطفيت")، وضعت رأسي على الوسادة متذكرا أن النوم نعمة؛ إني أتنفس تحت اللحاف، إني أغرق أغرق أغرق، أنا الآن أغوص في مياه دافئة عذبة، تيارات سلسة تسري في جسدي المنكمش، خدر إلهي أخشى أن ينتهي، وصوت آت من بعيد، صوت يعلو تدريجيا، أو أنه يرفعني تدريجيا من عز النوم إلى سطح الواقع الذي يوبخني "قوم قوم، شكلُه لازم نطلع على المستشفى" بعد ساعات وُلد مجد.

كان ذلك قبل سنة. خلال هذا العام الخاص جدًا، حقق الزاحف النامي نبوءة "السح الدح" العدوية، وأثبت أنه "طالع لأبوه" فيما يتعلق بإهدار وقت النوم. خلال هذا العام الخاص جدًا أطلق في فضاء بيتنا الصاحي عدد هائل من التهاليل الفيروزية المهدّدة المتوعّدة التي لو أُخذ بها لشهدنا هولوكست حمائميًا كارثيًا، لكن – يا لحسن الشنص - كنا نضحك على الحمام، لينام. ولم...

خلاصة
1.     بابا، كل سنة وإنت سالم، وبالليل منيِّم ونايم.
2.     عن "ويكيبيديا" رضي الله عنها قالت: "الإنسان ينام ثلث عمره تقريبا".
3.     للتوضيح أضيف على 2: "هذا الثلث هو الذي تعيشه قبل أن تصبح أبًا/أمًا" . 

الأربعاء، ٣٠ تشرين الثاني ٢٠١١

بابا لوين؟


بابا لوين؟!


يعلن صديقي من على حائطه احتفاله بعيد ميلاد ابنته الثاني، وتنهال عليه الأباهيم اللايكة والكومنتات المهنئة المتمنية للسمراء الجميلة سعادة تمتدّ، بحساب بسيط، حتى العام 2129م ](120-2) + 2011م[، وأنا بدوري أقوم بواجبي الفيسبوكي وأنضم للجوقة، لكن بصفتي من المتشائلين المعجبين بنصف الكأس الفاضي، أُدرج كومنتًا بائِصًا (أكتبها بصيغتها العبرية للتخفيف من فظاظتها)، أحذِّر فيه الأب المحتفل من الإفراط في الفرح، ذلك أنه – واسأل مجرّب – داخل على ما يعرف في "علم" تربية الأطفال بمرحلة "عمر السنتين الفظيع" (terrible twos). تيرِبل، فظيع، مريع، مريب، رهيب، منهِك، شاق.. كثرت الترجمات والمعنى واضح – لكن لزيادة التوضيح؛ في هذه المرحلة من العمر يدرك الطفل أنه ذو كيان مستقل، وبالتالي يبدأ بإدراك واستعمال كلمة "لا" (يشبه إلى حد بعيد حالة الشعب العربي)، فيصبح متمردًا، مزاجيًا، متّكلاً ومتملكًا، وهذا باختصار شديد وضع ليس بحميد.

ينعاد عليك وانت سالم يا صديقي.
ولكي لا تبقى معايدتي هذه مشوبة بالشماتة التي لا تنفع، أزوّدك، والقراء المعنيين، فيما يلي ببعض النصائح والاستتاجات التي من شأنها أن تكون نافعة لتخطي هذه المرحلة بسلام لطرفي النزاع.

1.   اتركها على باب دير أو باب جامع. (هنا ستطال أمّي بعض الشتائم غير المرغوبة، لكنني أذكر السابّين والسابّات المجربين والمجربات بأنكم/ن فكرتم/ن، في لحظة غضب عابرة وبعد ساعتين من البكاء الصارخ في ليلة ما فيها ضي قمر، برمي الطفل من الشباك وتسليم أنفسكم/ن للشرطة).

2.   تجاهل النصيحة السادية الأولى. (آل دير وجامع آل؛ ناقص مؤسسات شؤون اجتماعية؟!).

3.   كُن دبلوماسيًا ومصلحجيًا وعزِّز علاقتك بحماتك، وأحضر لها الهدايا في عيد ميلادها وعيد الأم وعيد العمّال وعيد الضبّاط الأحرار وعيد غرس الأشجار وعيد الميلاد وعيد رأس السنة، الميلادية والهجرية والعبرية، وعيد الفطر وعيد الأضحى وعيد النبي شعيب وعيد جميع القديسين.. وأقنعها أن أول كلمة نطقتها صغيرتك كانت "تيتا"!

4.   إذا كنت من غير المدخّنين فعليك بالتدخين، وإذا كنت مدخّنًا فهذه فرصة مواتية لرفع منسوب نيكوتينك اليومي، ومن المفضل أن تنتقل إلى تدخين السجائر الطويلة. عملية التدخين يا صديقي الأب هي فرصتك للهروب والانزواء بنفسك لدقائق ستكون أحيانًا في أشد الحاجة إليها.

بِزعل؟
5.    طبعًا، دخِّن خارج البيت. أولا لكي لا تزيد طين "عمر السنتين الفظيع" بلة/ضررا صحيًا، وثانيا تكون عزلتك محكَمة. قلنا عصفورين بحجر؟!

6.   إذا كنت من مريدي الأرجيلة، فعليك بها. بين تفاحتين وتفاحتين، سترى أن طفلتك صارت في الجامعة!

7.   غيِّر مهنتك. مطلوب عمال حدادة في إيلات...

8.   عدّ للعشرة، إن الله مع العادّين.. إن عدّوا.

9.   في فضاء شهر كانون الأول (أيامنا هذه)، كُفّ عن استعمال التهديدات التي تبدأ بـ"إذا" (الشرطيّة) وتنتهي بـ"بِزعل بابا نويل". تذكّر أنك لست الناطق الرسمي بلسان بابا نويل، واعرف أنه بعد التهديد الخامس سيأتيك جواب من الطفلة مفاده في أن "حِل عن طيـ.... إنت وبابا نويل".

10.                   اعلم أن الـ "terrible twos" ليست إلا مقدمة "لايت" لـ" Horrible Three's".

اللهم إني بـالغت، اللهم فاشهد!



الأربعاء، ٢١ أيلول ٢٠١١

مخشخش من دون خشخاشة!


مخشخش من دون خشخاشة!
(محاولة صياغة مقدمة لبيان نصب خيمة احتجاج أمام غرفة أولادي)

يُجهِز مجد الصغير، الوافد إلى عالمي/نا في "جمعة الرحيل" قبل شهور سبعة، على مئتي ملل من الحليب الاصطناعي المحلول، ثم يتجشّأ جشأة تليق بسائق شاحنة كرع للتو نصف ليتر من الجعة الباردة في فيلم أمريكي آخر. "حمدِلاَّ" التلقائية تعلن انفراج أزمة الجوع الصارخ، لنتفرغ إلى هواية صغيري الجديدة – وهي محاولة الانتحار!

* * *

تعريف 1: الطفل هو كائن حي صغير ونامٍ بإطراد، يحاول الانتحار بشتى الوسائل المتاحة، وتستمر هذه المحاولات حتى بلوغ هذا الكائن سن الوعي لمعنى الخطر (من 3 أعوام إلى 25 عامًا – يتعلق بمتغيرات بيئية وثقافية عديدة).
تعريف 2: الوالد هو كائن حي وقع ضحية السيرورة البشرية وإلحاح أمه/حماته والكلام الرومانسي الشائع عن "السعادة الحقيقية"، وورّط نفسه في مشروع منهك لا نهائي. من وظائف الوالد منع الطفل عن إزهاق روحه، وذلك من خلال اتباع مختلف طرق الوقاية، وأبرزها: تقمس دور الحاجز البشري، الصراخ، صك الأسنان وإظهار الغضب، ترديد كلمة "ممنوع" 20 ألف مرة في الساعة، إغماض العينين وانتظار "البوم.. آخ" (هذه أفشل طريقة)، أو الانتقال للسكن في بيت بدون زوايا حادة ومبني من مادة مطاطية قابلة للتنظيف...
* * *



بعد "حمدلاّ" اللا إرادية، يترك صغيري قشطة (زبدة الحليب/ بالعربي "شمينت") غنية بالفيتامينات والنيوكليوتيدات والألياف الغذائية على بلوزتي الجديدة، فألعن والده (هنا توبخني أخته "الكبيرة" الصغيرة: عيب نؤول عَص!) وأنزله على الأرض لأتمكن من تنظيف نفسي مما جنيته عليها. وبينما أنا منشغل في تنظيف مسرح الجريمة بواسطة المناديل الرطبة المعطرة (من أهم وأجدى اختراعات العصر)، استطاع الزاحف الجاني أن يقطع الصالون بسرعة 25 خطرا/الثانية وصولا إلى المزهرية الكبيرة المنسية في الزاوية، وهي مزهرية أثرية يرجع تاريخ صناعتها إلى العام 2 ق.م.ط.أ (قبل ميلاد طفلتي الأولى). المهم، هكذا بلمح البصر (والأصح بدونه) وصل الصغير إلى المزهرية ثقيلة الوزن وأوقعها على رأسه اليابس، فانفجر هو بالبكاء جراء الضربة والصدمة النفسية. لم يكن معي وقتًا لأشرح له بلغتي أو بلغته أن ثمة قانون يدعى الجاذبية اكتُشف بفعل سقوط تفاحة، والحمد للآلهة أنها لم تكن مزهرية. هرعت إلى الباكي، انتشلته، تفحصته بسرعة الخبير العارف وتأكدت من أن كل شيء في مكانه، ثم أخفيت معالم الحادثة وكأن شيئا لم يكن، ذلك أن أم الصارخ على كتفي ستدخل إلى البيت في كل لحظة. يمّاااا!
* * *
تعريف 3: الأم مدرسة؛ قم بواجباتك تجاهها، والتزم بالحضور والغياب، تنجح!


* * *

(بعد لحظات)
-      مالُه ببكي؟ وقع؟ خبط راسُه؟
-      لا.. هواي بسيطة، ضرب حالُه بالخشخاشة.
-      خشخاشة؟!! إحنا فش عنا خشخاشة!
* * *
هوامش:
أثناء حدوث الحادثة أعلاه، كان صديقي من الصفحة العاشرة يرتشف الكفيئين وينفث النيكوتين في مقهى على الرصيف، وينعم بالفلاس – آه، كم أشتاق للفلاس * كتب النص أعلاه على امتداد مساحة زمنية ليلية متقطعة جدا، إذا تخلله قيام الكاتب بتلبية نداءات واستغاثات تتراواح بين "بدي أشرب" و"بديش أنام" و "واع واع" * كخدمة للمجتمع، يهدف النص إلى الرد على المروّجين لأفكار "السعادة الحقيقية" و"الأولاد نعمة" و"فش أحلى منهن" (الخ) من خلال تقديم لمحة بسيطة من واقع معاش نحو إظهار الوجه الآخر والحقيقي للعملة، وممّا فيه: بكاء، حفاض، حوادث، أمراض، حساسية، حفاض، حضانات، حاضنات، رفض للأكل، حفاض، صراع على البمبا، تلفزيون عالق على قنوات الأطفال (أنا أكره "آل ماع")، قلنا حفاض؟! 

* * *

غدًا، في السادسة صباحًا، عندما سيبتسم لي صغيراي، سوف أسحب كل كلامي الفارغ الذي جاء أعلاه!


   

ليش؟!


لــــيــــش؟!


رازي نجار

على الضفة الثانية من المفاجأة التي تنتظرني في آخر الفقرة الثالثة، وقفت مع ابنتي، التي أربيها وتعيد تربيتي كل يوم، على الرصيف المرقع المحاذي لبيت "تيتا". كانت الخطة أن نقطع الشارع باتجاه حظيرة الحيوانات مساهمة مني في جسر الهوة بينها وبين الطبيعة، والتي فرضتها عليها بعد اتخذت من المدينة بيتا لي ولها – ذلك أن هناك في المدينة، ليس "البقر" سوى فعالية تربوية في الحضانة، أو تعليل يصدر عني كلّما استيقظَت فزعًا على دوي انفجار مفرقعات تعليلية تقلق منام الشق العربي من المدينة الساكنة على البحر؛ "ليش الصاروخ بابا؟" تسألني صاحبة الـ"ليش" اللا نهائي، فأجيبها "بقر بابا"، فتنام.. بعد ساعة!

نعود إلى الرصيف المحفّر، حيث اخترت أن أنتهز الزيارة إلى الجذور وأن أعلمها درسًا في قطع الشارع، في صيغته القروية؛ فإضافة إلى "ننظر إلى اليمين، ثم إلى اليسار" التي تعرفها (لا أعرف من أين!)، هنا "ننظر إلى الأسفل"، ثم استبقتُ الـ"ليش" المتوقع بجواب يشرح لها بلغة مبسطة التراكمات الاجتماعية والنكبوية التي أدت إلى عزوف بعض أصحاب "بيوت الحجر" عن الارتباط بمشروع المجاري البلدي – وليس من منطلقات الحفاظ على جودة مياه البحر المتوسط. "أراااف" قالت ضاحكة، وقطعنا الشارع.

"هذا ديك، وهذه دجاجة (طبعًا، لا أكلمها بالعربي الفصيح)، وهذا خروف، وهذا كلب جعاري، وهذه بقرة، وهذا حصان، وهذا ابن الحصان. كيف صوت الحصان؟.. وهذه شجرة ليمون، وهذه رمانة، وهذه شجرة مريخوانا، وهذه دالية عنب"، مريخوانا؟!!

أخذت نفسًا (هواء، ونتن أيضًا، مما اقتضى التنويه)، ثم بحلقت أشد بحلقة بالنبتة الخضراء اليانعة اليافعة المتمردة الثائرة الخارجة عن القانون الرسمي والأعراف الاجتماعية المعلنة، لأتأكّد من صحة ما أرى وأشم. لم تكن شتلة، كما تُدعى هذه النبتة عادة، بل كانت شجرة تجاوز ارتفاعها طولي الفعلي (1.74 م) وحتى طولي المعنوي (1.91 م)، شجرة بكل ما تحمل كلمة شجرة من براعم. 


ها أنا إذا، واقف مع طفلتي أمام جناية قانونية تزداد العقوبة عليها كلما ازداد حجمها ونموّها. عقلي المهلوس بدأ بكتابة السيناريو المحتمل: صاحب هذه المشروع الزراعي لن يستطيع أن يفلت من مسؤوليته عن ظهور نبتة القنب في أرضه بادعاء أن بذورها موجودة في علف الطيور (حقيقة علمية) وبالتالي هي إرادة الطبيعة – طبعا إذا استطاع أن يثبت للمحقق الأزرق-أبيض أن الطبيعة، جل جلالها، قادرة على بناء سياج معدني دائري الشكل يحيط بالنبتة، وفزاعة من قش تبعد عنها بعض الطيور الكسولة الراغبة في التحليق "بالهاي" مجازًا!


تسألني الصغيرة المتململة بجانبي والتي انتبهت بفطنتها الحادة إلى أن الشجرة اياها سرقتني عنها "إيش هاي بابا؟". أجيب بأنها لعمّو الذي يسكن هناك. "ليش؟" المتوقعة أخرجت مني جوابًا مبهمًا؛ "عشان يتمسك بالسعادة بابا".
-      ليش؟
-      لأنُّه فش عندو ولاد!

هامش ضروري:
أظهر بحث نشر في عدد تموز 2008 من مجلة Pediatrics العلمية، وشارك فيه باحثون من كلية الطب في يوستون وباحثون من جامعة لندن، أن ابتسامة الطفل تحرك في دماغ الوالدين مناطق تنشط أثناء الإدمان على المخدرات، وتمنحهم نفس الإحساس بالنشوة.  


الأحد، ١٢ حزيران ٢٠١١

status@





الاثنين، ٢٤ كانون الثاني ٢٠١١

حفاضًا على القضية


حفاضًا على القضية!

نزولا عند أمر العقيد الذي لا يستطيع أي مُخرج أن يخفيه من حارتنا الشرق أوسطية، معمر القذافي، وضّح الله مخارج حروفه، قمت قبل شهور تسعة، وفورًا عقب النداء الموجه منه لوفد متابعتنا نحن الجماهير العربية، بالمساهمة للمرة الثانية في توجيه ضربة قاصمة للمشروع الصهيوني، وفي عقر بيته-بيتينو. ملتزم بحماس شبابي بتوجيه عظيم الأمة، ومؤمن أشد إيمان بأن مقاومة أنستاسيا ميخائيلي والدولة الديموغرافية الوحيدة في الشرق الأوسط لن تبلغ أهدافها إلا بتخصيب القنبلة المنوية الموقوتة الكامنة فينا، سأقف بعد أيام، لن تتعدى العشرين، في مستشفى بني صهيون الحيفي، في يساري كاميرا ديجيتالية (10 ميغا بيكسل، للبيع) وفي يميني كاميرة فيديو بيتية، لأوثق ولادة من سيجهز على حريتي فداء للمشروع التحرري الأجلّ.

وبالرغم من مشاعر الفرح المشوب بالرعب والترقب، إلا أنني أشعر لسبب ما بأنني خُدعت، وبأن الوفد القيادي التمثيلي الذي عاد من الجمهورية الليبية محملاً بالدعوة إلى التكاثر، أهمل إلى حد مريب الخطوات التنفيذية الضرورية والحتمية لتوليد هذا المشروع. فمع أنني متابع للمتابعة واجتماعاتها، لم أسمع حتى يومنا هذا عن إقامة لجنة أو جمعية تدير هذا المشروع التحرري أمام الحكومة الليبية الشقيقة، من حيث تخصيص الموارد والدعم المعرفي والصحي ول ول. إذا كان وفدنا قد أغفل هذا النداء لسبب تافه مثل النزاعات الحزبية والفئوية، فليعلم أن كل المسؤولية الآن تقع على أكتافه التعددية. في حينه وقفتم في ظل خيمته وصفقتم له في ختام كلمته حتى احمرّت أكفّكم وصارت مثل لون وجنات بعضكن، ثم تفرقتم كل إلى مشغلاته، فماذا يفعل الآن آلاف المناضلين المطيعين الذي لبوا نداء التحرير؟!



أرى، من باب التمني لا أكثر، أن تلتئم القيادات حالا وسريعا قبيل انقضاء المدة التي تمنحها الطبيعة عادة لوصول أول فوج، وأقترح لغرض إضفاء أجواء ملائمة وملزمة أن يعقد الاجتماع الاستثنائي في مجمع "ماي بيبي" اليركاويّ– قِبلة الحوامل الذي لا يكتمل الفرح من دون الحج إليها تسع مرات كأدنى حد. هناك، في الاجتماع الذي لن يعقد، سيكون بوسع قياداتنا الفقيرة ماديا أن تعوض عن فقرها بنقل خبراتها ومواهبها الشخصية إلى الأهل؛ فمثلاً، من المؤكّد أننا سننهل من معرفة د. زحالقة في الصيدلة (وجع الرأس هو عنوان المرحلة)، أما الشيخ الفحمي سيكون خير مدرسة في تحمل مشقات الحبس المنزلي، والشاطر يفهم...


سؤال مشروع!

لكن عتبي الأكبر هو عليك يا نيافة العقيد، ذلك أن في أيامنا هذه لم يعد مشروع التحرر الذي طرحته ميسرا وسهلا ككلام الخطب الصحراوية كما تعتقد، فمشروع التحرر هذا بحاجة لحفاض يضبط إفرازاته ويؤطّرها، ومشروع التحرر هذا بحاجة لأياد متفرغة لتطبطب ولمستحضرات علمية لتطبِّب الغازات المكتشفة في باطنه، ومشروع التحرر هذا بحاجة للمراهم المخففة للتهيجات، فهل يرضى عقيدنا بمشروع تحرر يعاني من "الصمات"؟! ألا يكفينا مشروع أبي مازن؟














الثلاثاء، ١٨ كانون الثاني ٢٠١١