لــــيــــش؟!
رازي نجار
على الضفة الثانية من المفاجأة التي تنتظرني في آخر الفقرة الثالثة، وقفت مع ابنتي، التي أربيها وتعيد تربيتي كل يوم، على الرصيف المرقع المحاذي لبيت "تيتا". كانت الخطة أن نقطع الشارع باتجاه حظيرة الحيوانات مساهمة مني في جسر الهوة بينها وبين الطبيعة، والتي فرضتها عليها بعد اتخذت من المدينة بيتا لي ولها – ذلك أن هناك في المدينة، ليس "البقر" سوى فعالية تربوية في الحضانة، أو تعليل يصدر عني كلّما استيقظَت فزعًا على دوي انفجار مفرقعات تعليلية تقلق منام الشق العربي من المدينة الساكنة على البحر؛ "ليش الصاروخ بابا؟" تسألني صاحبة الـ"ليش" اللا نهائي، فأجيبها "بقر بابا"، فتنام.. بعد ساعة!
نعود إلى الرصيف المحفّر، حيث اخترت أن أنتهز الزيارة إلى الجذور وأن أعلمها درسًا في قطع الشارع، في صيغته القروية؛ فإضافة إلى "ننظر إلى اليمين، ثم إلى اليسار" التي تعرفها (لا أعرف من أين!)، هنا "ننظر إلى الأسفل"، ثم استبقتُ الـ"ليش" المتوقع بجواب يشرح لها بلغة مبسطة التراكمات الاجتماعية والنكبوية التي أدت إلى عزوف بعض أصحاب "بيوت الحجر" عن الارتباط بمشروع المجاري البلدي – وليس من منطلقات الحفاظ على جودة مياه البحر المتوسط. "أراااف" قالت ضاحكة، وقطعنا الشارع.
"هذا ديك، وهذه دجاجة (طبعًا، لا أكلمها بالعربي الفصيح)، وهذا خروف، وهذا كلب جعاري، وهذه بقرة، وهذا حصان، وهذا ابن الحصان. كيف صوت الحصان؟.. وهذه شجرة ليمون، وهذه رمانة، وهذه شجرة مريخوانا، وهذه دالية عنب"، مريخوانا؟!!
أخذت نفسًا (هواء، ونتن أيضًا، مما اقتضى التنويه)، ثم بحلقت أشد بحلقة بالنبتة الخضراء اليانعة اليافعة المتمردة الثائرة الخارجة عن القانون الرسمي والأعراف الاجتماعية المعلنة، لأتأكّد من صحة ما أرى وأشم. لم تكن شتلة، كما تُدعى هذه النبتة عادة، بل كانت شجرة تجاوز ارتفاعها طولي الفعلي (1.74 م) وحتى طولي المعنوي (1.91 م)، شجرة بكل ما تحمل كلمة شجرة من براعم.
ها أنا إذا، واقف مع طفلتي أمام جناية قانونية تزداد العقوبة عليها كلما ازداد حجمها ونموّها. عقلي المهلوس بدأ بكتابة السيناريو المحتمل: صاحب هذه المشروع الزراعي لن يستطيع أن يفلت من مسؤوليته عن ظهور نبتة القنب في أرضه بادعاء أن بذورها موجودة في علف الطيور (حقيقة علمية) وبالتالي هي إرادة الطبيعة – طبعا إذا استطاع أن يثبت للمحقق الأزرق-أبيض أن الطبيعة، جل جلالها، قادرة على بناء سياج معدني دائري الشكل يحيط بالنبتة، وفزاعة من قش تبعد عنها بعض الطيور الكسولة الراغبة في التحليق "بالهاي" مجازًا!
تسألني الصغيرة المتململة بجانبي والتي انتبهت بفطنتها الحادة إلى أن الشجرة اياها سرقتني عنها "إيش هاي بابا؟". أجيب بأنها لعمّو الذي يسكن هناك. "ليش؟" المتوقعة أخرجت مني جوابًا مبهمًا؛ "عشان يتمسك بالسعادة بابا".
- ليش؟
- لأنُّه فش عندو ولاد!
هامش ضروري:
أظهر بحث نشر في عدد تموز 2008 من مجلة Pediatrics العلمية، وشارك فيه باحثون من كلية الطب في يوستون وباحثون من جامعة لندن، أن ابتسامة الطفل تحرك في دماغ الوالدين مناطق تنشط أثناء الإدمان على المخدرات، وتمنحهم نفس الإحساس بالنشوة.