الخميس، ٥ آب ٢٠١٠

الخميس، ٨ تموز ٢٠١٠


الثلاثاء، ٦ نيسان ٢٠١٠

لولو/ليــــــــــــش؟!

لولو/ليــــــــــــش؟!


أجّلنا ثم أجّلنا وأجّلنا، وفصل الشتاء منـزوع التعريس كان خير سند لنا في تأجيلنا هذا، لكن كما هو مكتوب علينا جميعًا في هذه النقطة المنقِّطة من الكرة، جاءنا الصيف، وجاءنا معه مكتوب من المكاتيب ايّاها التي لا مفر منها؛


إلى حضرة السيّد (متأسف، لكن هكذا عنوَنوني عنوة عني – مع الاحترام للسيد الحبيب الواحد الأحد نصرَهُ الله...) المحترم (شكرًا) رازي نجار وعائلته المحترمين (شكرًا مرة ثانية باسم العائلة)...

هذه المرة عجزنا عن التأجيل، فالداعي هو قريب حماي العزيز، والحياة في جانبها الديموغرافي هذا سلف ودين أو أخذ وعطاء، فما وَرَد صندوقك عندما ارتكبت فرحًا جماهيريًا قبل سنوات ثلاث، حتمًا سيودعّه منتفخًا بعلاوة يحددها جدول غلاء المعيشة، ضرب عدد السنوات، وبحسب القيمة الآنية للوجبة في بورصة الأعراس – لب الاقتصاد المحلي الباكي في وطنه..

لذا، أمام كل هذا، كان واضحًا أن علي أن أضع "رقصي بين الروس" وأن أحوّل كلمات أغنية الأعراس النكبوية "درب الرامة بنعرفها" إلى واقع مرقوص؛ فهيّا يا بابا إلى بلد الماما، فقد آن الأوان لأن نعمّدك بركن أساس من أركان العروبة في صيغتها ما بعد الحداثية!

الطريق كانت طويلة، فمنذ أن أصبحت محفضًا جديدًا قبل شهور خلتها دهور، لم يرقَ عقرب السرعة في سيارتنا الفخمة/شعبية الثمن حاجز السبعين كلم في الساعة، فمن غرائب الأمور أن دخولي عالم الأبوة حوّلني، في هذا الباب – باب السواقة، إلى أم؛ أسوق بحذر شديد، ركن السيارة يستهلك ربع ساعة من وقتي وينتهي على بعد متر من الرصيف وملم من السيارة التي خلفي، أحفّ السيارة مرتين في الأسبوع، أشعر أن الشارع ملك أبي، أتعامل مع كل السائقين حولي كأعداء متربصين بي، وأتفاخر بأنه لم يعترضني شرطي مرور بمخالفة صادقة أو ظالمة في حياتي السيّارة!!

وصلنا أرض الحدث الجلل في الساعة الحادية عشر إلا موّالين، والحديث للتوضيح يدور عن سهرة بيتية أهلية "مضبضبة"، لم يحضرها أكثر من أربع مئة نفر (لا يشمل القواريت) من المقربين جدًا جدًا.. جدًا. ركنت السيارة في الزقاق المؤدي إلى ساحة المعركة، وباشرنا أنا وشريكتي المحفِّضة في استكمال العملية الإجرامية بحق غاليتنا النائمة في الكرسلّة.


(استراحة لغوية: "كرسلّة"، كلمة يقترحها كاتب هذه السطور مساهمة منه في طرح بديل لـ"سال-كال" العبرية، وأصلها من "كرسي" و"سلة"... ).



المهم؛ أيقظنا الصغيرة من عالم الأحلام، لنضعها مباشرة في عالم ولا بالأحلام، إن لم أقل: عالم الكوابيس. من أين نبدأ؟!
نبدأ من النهاية، من انسحابنا غير المخطط.


كان ذلك بعد أن انتصف الليل وبلغ الـ"تكليتان" الزبى بعد إعلانه عن الفرضية الجنسانية المثبتة أن التي تقصِّر تنورة حتمًا ستلحقها عيون الشباب، فحُمل العريس على أكتاف منفوخة التضاريس وصرخ مكبّر الصوت آمرًا: احلق يا حلاق، ثم استدرك "تمهّل يا حلاق" فضعنا نحن بين حيص وبيص، وقلت في عقلي "يلعن هالتعـ....ص"، إذ بدأ المعازيم المحبون يخبصون ببعضهم تخبيص، هذا يرش ماء، وذاك ينعف العطر الرخيص، وذاك الولد يقذف خيوطًا ملونة من أنبوب، وبقجة هنا ومنشفة هناك، ووجوه غير مألوفة تسألني بلكنة راموية "أطول من المدّة" عن حالي وعن إيفا وعن المحفَّضة التي أضم ضما شديدًا وسط هذا الجمع المزيَّن والمزيِّن ويتمنى لي أن أزيِّن صغيرتي بعريس..

كانت صغيرتي، بفعل تجربتها الأولى في ساحة المعركة الملتهبة هذه، صافنة شأنها كشأن أي قادم جديد، تحاول أن تلملم ما سلم من حواسها النعسة لمراقبة ما يجري أمامها من محاولة اغتصاب طيبة النوايا كان ضحيتها العريس. ها هي المحمية غير الطبيعية ذات الهدوء النسبي التي دأب والداها على إحاطتها بها منذ أن أبصرت نور غرفة الولادة تنهار وتتفتت أمام واقعًا عربيًا صاخبًا سريع الاشتعال. أمام هذا كله، أو للتحديد الجغرافي أقول "وسط هذا كله"، لم تجد محمولتنا المحفضة إلى الخلاص سبيلاً سوى اللجوء إلى حنجرتها القوية وعينيها الدامعتين بسخاء، بكاء اشتد مع بلوغ فعل الحلاقة الافتراضية (فهي تتم بلا شفرة حقنًا للدماء) قمة جديدة من خلال استجابة أولاد عم العريس إلى النداء الملحّ الملزم "شيعوا لولاد عمو ييجولو"، فجاؤوه بصرعة الأعراس المناوبة؛ كيلوغرامات مكعبة من المفرقعات النارية المسماة، تلطيفًا، ألعابًا.

الانفجارات الملونة التي ملأت سماء العرس فرحًا مدويًا في قلوب الكبار، أشعلت النخوة العربية المكبوتة في قلوب جيران العرس من بني معروف فاستل اثنان منهما بندقيتين احتلاليتين من ترسانة جيش الدفاع الإسرائيلي ومزقا فضاء القرية المسالمة برصاص ابن عرس، دب الرعب والنقزان في نفس صغيرتي!

في تلك اللحظة، كان أمر الانسحاب لا جدال فيه، وصدر من دون كلام وبمجرد التقاء عيناي بعيني شريكتي الأم الحنون، ذلك أن "عرس" ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهنّد!
وصلنا السيارة بعد أن كنت شققت طريقي إليها من بين الجموع الكثيفة مستعملاً تكتيكًا حربيًا يوفق بين ابتسامة المجاملة وبين ضرب الكوع، تاركًا ورائي عشرات الجمل المعاتبة والمندهشة من فئة "عزا مالها البنت"، و"بنفعش هيك، بعدكو مش واصلين" و"البنت لازم تتعوّد ع الضجة"، "هيك بتربوها؟"...

صحيح، صارحت نفسي، البنت لازم تتعود عَ الضجة، وعرس خالها على الأبواب، ما فرض علي إصدار الفرمان التالية بنوده:

أولاً: تُجمع كل أغاني الأطفال المتوافرة في بيتنا وترمى في الزبالة، بما فيها أغاني فيروز وريمي بندلي وكل الحطة بطة على أنواعها، وتُستبدل بألبومات محتلنة لوسام حبيب (حفلة بعلبك) وشفيق كبها وابراهيم صبيحات.

ثانيًا: لا سيميلاك بعد اليوم. آن أوان البيرة مكابي والكبة النيّة.

ثالثًا: وداعًا للّيغو والدمى، وأهلاً في الألعاب النارية والمفرقعات.

رابعًا: بدلاً من تحفيظ ليلى أغانٍ كـ"وينها ليلى وينها ليلى، هيّاها..."، يُعمل على تلقينها الآويها والزغاريد حتى موعد أقصاه أكتوبر 2009.

خامسًا: أية مخالفة لبنود الفرمان، تعتبر مس بالهُوية القومية للمحفَّضة الجديدة، وهي خطيئة لا تحتمل لا تبريرات ولا تعاليل!