السبت، ٣٠ أيار ٢٠٠٩

أبًّا عن جَدْ!

أبًّـا عـــن جَــدْ!


5 تشرين الثاني 2008.

في القطار المتخلّف عن الموعد والزمن، والذي كنت صاعدًا فيه من تل أبيب العمل إلى حيفا الأمل، هتف محمولي تقسيمة شرقية على غيتارة مكهربة، أعلن فيها لجميع من في المقطورة من أصحاب البلاد الحاليين/الجنود والبنادق، أن عربيًا أليفًا مسلّحًا بالنعاس يشاطرهم السفر.


كانت شريكتي الحبلى بالأخبار السارة على الجهة الثانية من الكلام تخبرني بسرعة 100 كلم/ة في الثانية أن أول الغيث قطرة، وأن "ليلى... مي... نزلت... لازم... مستشفى... خايفة... شو أعمل... وينك... وينتا بتوصل... ثلاث نقاط ثلاث نقاط ثلاث نقاط".


لم يكن أمامي في تلك اللحظات إلا أن أمتص الصدمة عنوة، وأن أحولّ هذا الانفعال المكبوت إلى أفعال. فقلت لها أن تهدأ (النصائح الغبية تفرض نفسها دائمًا..) ريثما أتدبر الحل، وأعاود الاتصال بها.



"إنها الحرب إذًا"، خطبتُ في سرّي للجموع العدائية المشمِّلة في القطار. ها هو محسوبكم العربي الأليف يطلق أول صاروخ في الحرب الديموغرافية هذه. ارتحت لهذه النبرة الخبية التي ضخت جسمي ببعض الأدرينالين، فهيا إلى المهمة!


نظرت حولي، فسرقت نظري صورة قفزت من صفحة جريدة قريبة تظهر العالم يحتفل بأمله المناوب، براك حسين أوباما – الرئيس الأمريكي ابن بئر المكسور البار – فافترضت رمزية ما في تلاقي هذين الحدثين الآن بالذات، واللذين يحملان معاني التغيير والأمل، لكنني سرعان ما تنازلت عن الفرضية لقناعتي التامة في أن لون بشرة أوباما لا يغير شيئًا في المنظومة، وأنه أصلاً لا يبشر بتجديد، وأنه بنظري ليس إلاّ حبّة "باونتي": حلوة، بنية من برّا، ومن جوّا بيضاء! طردت الفكرة من رأسي فلا وقت لهذه الشطحات التي تزيحني عن الهدف. حولت نظري إلى الشباك فرأيت سوادًا ليليًا وتمثالاً مضاءً لهرتسل النبي (عليه السخام)، فعرفت أنني ما زلت في أول الطريق، وأن تسع محطات وقطار بطيء تفصلني عن مكاني الطبيعي، وأن الحلول ستأتي فقط عن طريق المحمول، فأنا صديق في ضيق، في أول الطريق، فأين الشباب؟


لم أتصل بوائل لأنه لا يرد عادة، ولا بعلاء اللاجئ في عكا من جهة نابليون، ولا بأيمن مستهلك العزوبية النهم، ولا بحنا فالذي فيه ويكفيه، ولا بكميل لأنّه يسوق "فيسبا" وهذا لا يليق بالحدث، ولا بحبيب فهو في مقام مختلف تعزفه آلتان، فاستقر القرار على الاستنجاد بفراس المغوار، فهو المستعد أبدًا لأي طارق وهو المتيقّظ قهوةً في هكذا ساعة، وهو المالك للسيارة الألمانية البزنسمانيّة التي لا تحسب لضيق الوقت وشارع عباس حسابًا!


بعد دقائق معدودات، كان فراس مدججًا بكل ما علق فيه من معتقدات راكمتها الأفلام المصرية والمسلسلات الأردنية عن الحمل، ينتظر في السيارة بجانب العمارة، ويتكتك بيديه على مقود الـ"إي 6"*.


وفي اليوم الثالث، ولدت ليلى**.




-----------------------------------------------

* بلا ملاحظة 1: تتوجّه إدارة مدونة "المحفِّضون الجدد" إلى الزميل الصديق الكاتب المتلندِن (حاليًا)، فراس خطيب - وكلنا ثقة في أن الطلب مستجاب - بأن يساهم بنص من عنده يطلع فيه زوارنا المتلهفين (هذا العشم) على ما كان في الساعتين المصيريّتين التي مرت بين تلفوني المستغيث وبين وصول كاتب هذه السطور إلى قسم الولادة في مستشفى بني صهيون الحيفيّ.







** بلا ملاحظة 2: لمعرفة ما جرى في غرفة الولادة نحيلكم إلى البوست الأول في المدونة (تحت تحت).

قارئة الأفكار!

المحفِّضان والمحفَّضة في عكا! / علاء حليحل


أحيت الرفيقة المناضلة ليلى نجار، ظهيرة أمس الأول الجمعة، يوم البكاء العالمي، وذلك في منزل بكر-حليحل في عكا، حيث كانت الرفيقة نجار أخذت على نفسها عهدًا بإحياء هذا اليوم بجدارة وإصرار.

وأفاد مراسلنا بأنّ الرفيقة ليلى النجار بدأت بالبكاء والزعيق منذ لحظة دخولها المنزل وحتى مغادرتها، رغم أنها أخذت قسطًا من الراحة في منتصف النهار حيث نامت ما يقرب العشرين دقيقة، لتعود من بعدها متجددة النشاط والهمة للاستمرار في إحياء هذا اليوم.

وصرح أحمد عودة، عضو بلدية عكا عن الجبهة، بأنّ "إصرار الرفيقة ليلى نجار على إحياء هذا اليوم في عكا لشرف كبير للمدينة، خصوصًا في هذه الأوقات الصعبة التي يواجهها أهل المدينة العرب، حيث أنّ البكاء واللطم يشكلان إسهامًا كبيرًا في معركة الصمود الدائرة في ساحة عرفة".

وقالت مصادر مطلعة إنّ عودة أعلن ترحابه ودعمه لمجهود الرفيقة نجار رغم أنّ أبيها "تجمعي" وأمها شيعية!

وأصدرت النائب(ة) حنين زعبي بيانًا حاد اللهجة استنكرت فيه بكاء المناضلة ليلى نجار، مصرحةً بأنّ "هذا البكاء يبث اليأس والضعف في نفوس أبناء الأقلية العربية الفلسطينية وهو يخربط الأجندة ويخلط الأوراق ويقوي من صورة المرأة الضعيفة المهزومة، في الوقت الذي يعمل فيه على تمويه المرجعية والتضييق من حيز المقاومة"!

ولم يُعرف حتى إغلاق العدد عن حجم الخسائر المادية التي لحقت بمنزل بكر-حليحل بعد عاصفة البكاء، إلا أنّ التقديرات الأولية تشير إلى خسائر تُقدر بمئات الشيكلات، من ورق معطر وغير معطر، ناهيك عن وجبة السمك الفاخرة على شرف يوم البكاء العالمي.