الخميس، ٩ نيسان ٢٠٠٩

ولادة محفِّضيْن جديديْـن!


في الليلة المشتركة للسادس من تشرين الثاني وسابعه، اكتملت الزاوية الـثمانين بعد المئة في مسيرة تحولي من حرّ صنديد إلى محفِّض جديد. كانت ليلة ذروة، تركتني، لمدة لا تزيد عن ساعة ونصفها، محلِّقًا مع إحساس بأنني ملكُ عالمٍ لا متّسع فيه لفرحي الباطن والظاهر، إلى أن أنزلتني ممرضة هوجاء معطاء من عليّتي الملوكية، بلا قصد أو سوء نية وبهدوء أجواء عمل روتينية، وعلى هذا سنأتي لاحقًا، إن ذكّرتموني!




أما قبل، فعليّ أن أوضح قبل أن اتهم بالحيونة، أن أي كلام عن مشاعر السعادة والكمال والروعة والحب والدهشة الكامنة في الوضع الجديد الذي أنا فيه من راسي لساسي، ليس واردًا في حساباتي/كتاباتي الآتية، وسأتركه لغيري من واضعي النصوص الرومانسية المفعمة، أو لنفسي في لحظة شاعرية عابرة قد تزورني إثر لفافة عالية الجودة، ولنتّفق على أن أي كلام من هذا القبيل يندرج في خانة المفهوم ضمنًا، أو اللت والعجن الذي لا أتقنه فأتركه لخبّازيه...






أكتب هذه الكلمات على بعد خمسة شهور من تلك الليلة، الأمر الذي أتاح لي أن أطوّر رؤية ما لما كان حتى الآن، ومن هنا بالمناسبة جاءت تسمية هذا الـ"بْلوغْ" (اللهم إنّي بَلَغْت!)، فمع أن هناك المئات المئات من التعريفات التي ممكن وضعها لتلخيص المرحلة، إلا أنني وجدت أن عنوان "المحفضون الجدد" هو خير توصيف لما عشنا أنا وشريكتي - أم ليلى إن شئتم – حتى الآن، ذلك أن الدورة الحياتية عند المحفضين الجدد هي عبارة عن ساعتين لا ثالثة لهما، في مركزها تغيير للحفاض. نعم، تغيير للحفاض، وفي غير ذلك اختلال للدورة الحياتية للمحفِّض والمحفَّضة: ضحك، لعب، بكاء، حفاض، أكل، نوم.. وهكذا دواليك حتى ساعة النوم.. نوم؟! هأٌ هأٌ هأْ...

استراحة لغوية!


حفاض، حفاظ، قماط، بامبرز؟ لا أعرف.. لكن هذا ما وجدت في لسان العرب لابن منظور: " قال ابن الأَعرابي: الحَفَضُ قُماشُ البيت ورديءُ المتاع ورُذالُه"، وتبنيت على الفور.

وبعد..

إذا وجدت هذه المذكرات المخطوطة ألكترونيًا طريقها إلى المستقبل وقرأته صغيرتي/حبيبتي التي ستكون آنذاك كبيرة قارئة وكاتبة (من يعلم؟) قد تظن فيّ انزعاج ما من أدائها الاستخرائي، لذا وجب علي أن استدرك هذا الاستدراك المسافر في الزمن وأوضّح لها أن لا عتب شخصي عليها، فهي كانت تعطي ما هو متوقّع منها، بل أن هذا هو الوضع الطبيعي والمنشود. وأكثر من ذلك فيما يلي:


كانت مرت علينا سبع وعشرون ساعة في غرفة الولادة، وسعادتك تأبى أن تشرّفنا بإطلالتها البهية. كل التكنولوجية الطبية كانت هناك، وأنا وجدتك ومولّدة روسية (أعتقد أنها ما زالت روسية) ومولّدة متدربة روسية هي الأخرى (أبت جدتك إلا وتكلمها بالعربية) وممرضة عربية، ودكتورة روسية (لا لا حبيبتي، لم تولدي في موسكو.. هذه حيفا آنذاك) وأمك في مركز الحدث. وفي الدقائق الحاسمة، وعندما قررتِ أن وقت اللهو وتجريب الأجهزة المنبهة والمطنطنة وصل إلى حالة إشباع، تجمهر كل الكادر المذكور أعلاه حول أمّك للعمل على استقبالك على أحسن وجه. سمعت في الغرفة الدافئة الممكننة في تلك الدقائق ثلاث لغات؛ روسية مهنية، عبرية تواصلية، وعربية تدعيمية محبّة، إلا أن كلمة واحدة باللغة العربية الآمرة فرضت نفسها في اللحظة الحاسمة، فجدتك التي لن تجدين جدة محبّة مثلها، اختصرت كل الثقافة المهنية التي حاول الطاقم المحيط بأمك توظيفها في المهمّة، بكلمة سحرية هي: "شُخّي.."، وفي ثوان معدودات استوعب كل من في الغرفة، ما عدا أباك الملخوم، وقع الكلمة وقيمتها التنفيذية التنفيسية، وانطلقت جوقة الحاضرات تردد بتعايش لم تشهده حيفا من قبل هتاف "شخي شخي شخي" لمدة لم تقل عن ربع الساعة؛ شخي شخي شخي، وكان شخًا.
نعم بابا، هذه أول كلمة سمعتيها في حياتك، ولا عتب عليك في أنّك كزائرة في عالم مجهول تبنّيت أول توجيه/نصيحة سمعتيها، فملأتي الدنيا شخاخا.. وصرنا نحن المحفضين الجدد.